مستقبل سوريا: بين التحديات والفرص
بعد حوالى عقد ونصف من انطلاق الثورة السورية ، تقف سوريا اليوم أمام واقع معقد، يجمع بين طموحات التعافي الوطني والتحديات الهائلة التي تعيق طريق الاستقرار والتنمية. ومع أن المشهد يبدو ضبابيًا، إلا أن هناك مؤشرات على فرص حقيقية للنهوض إذا تم استثمار الإمكانيات بشكل فعّال.
أبرز التحديات التي تواجه سوريا الجديدة:
1. إعادة الإعمار والبنية التحتية:
وفق تقديرات الأمم المتحدة، تجاوزت تكلفة إعادة إعمار سوريا حاجز 400 مليار دولار، وقد يرتفع الى 600 مليار دولار حسب بيانات اخرى مع تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية في بعض المناطق مثل حلب والغوطةالشرقية وحمص وغيرها
2. الأزمة الاقتصادية:
العقوبات الاقتصادية الغربية:
حيث من دون رفع هذه العقوبات بشكل كامل لن يكون هناك أي حالة تعافي كاملة في الاقتصاد السوري
بلغ معدل التضخم في سوريا أكثر من 200% خلال عام 2023.2024
العملة المحلية (الليرة السورية) فقدت أكثر من 99% من قيمتها مقارنة بعام 2011.
نسبة البطالة تُقدّر بأكثر من 50% بين الشباب، وفق بيانات البنك الدولي.
يعيش حوالي 90% من السكان تحت خط الفقر بحسب تقارير الأمم المتحدة.
3. النزوح واللاجئون:
يوجد أكثر من 6.7 مليون نازح داخلي و5.5 مليون لاجئ خارج البلاد، وفق إحصاءات مفوضية اللاجئين (UNHCR).
عاد اكثر من مليون منهم الى بيوتهم بعد سقوط النظام
أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
4. التعافي الاجتماعي:
تشير تقارير اليونيسف إلى أن أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة.
يعاني مئات الآلاف من اضطرابات نفسية نتيجة الصراع.
5. التحديات السياسية:
هناك تحديات سياسية وعسكرية متشابكة واهمها مسألة شرق الفرات ودمج قسد في الجيش السوري الجديد
بالاضافة الى ملفات الساحل السوري والسويداء
---
الفرص والمميزات:
1. الموقع الجغرافي:
سوريا تشكّل نقطة وصل استراتيجية تربط بين آسيا وأوروبا، مما يجعلها مرشحة لتكون مركزًا إقليميًا للتجارة والطاقة.
2. الثروات الطبيعية:
تقدَّر احتياطيات النفط في سوريا بحوالي 2.5 مليار برميل، مع وجود حقول غاز غير مستثمرة بالكامل في البحر المتوسط.
تمتلك البلاد مساحات زراعية خصبة تبلغ حوالي 6.5 مليون هكتار، رغم تراجع الإنتاج بسبب الأوضاع الأمنية.
3. رأس المال البشري:
رغم النزوح، لا تزال سوريا تحتفظ بشريحة واسعة من الطاقات الشابة المتعلمة والقادرة على المساهمة في التنمية إذا توفرت البيئة الملائمة.
4. التراث الثقافي والسياحي:
سوريا تضم 6 مواقع على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ما يعزز فرص إحياء قطاع السياحة عند تحقيق الاستقرار.وهذا مابدأ بالفعل بعد توقيع شركات من قطر والمملكة العربية السعودية اتفاقيات من أجل الاستثمار في البنية التحتية والفوقية لقطاع السياحة
5. الشراكات الدولية:
تظهر دول مثل تركيا وفرنسا ودول الخليج العربي رغبة قوية في الاستثمار بمشاريع إعادة الإعمار، مع احتمالية توسع هذا الاهتمام في حال تحسنت الأوضاع السياسية.
---
من النواحي السياسية:
تحتاج سوريا إلى:
تعزيز مؤسسات الدولة وتحقيق الشفافية لضمان مشاركة كل الأطياف في الحكم بدون تقاسم طائفي او أثني بل على أساس الخبرة والكفاءة
تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد، حيث تصنَّف سوريا ضمن أسوأ 10 دول في مؤشر الشفافية العالمي.
---
من النواحي الاقتصادية:
الزراعة: شكلت الزراعة قبل الحرب حوالي 20% من الناتج المحلي، وهناك فرصة لإعادتها كمحرك رئيسي للنمو عبر دعم الري الحديث وتحديث أساليب الإنتاج.
الصناعة: كان القطاع الصناعي يساهم بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك مجالات واسعة لإعادة تأهيل المصانع المتضررة.
الطاقة: تطوير البنية التحتية النفطية والغازية يمكن أن يعيد لسوريا جزءًا من قدرتها التصديرية خلال السنوات المقبلة.
---
من النواحي الاجتماعية:
الصحة: تحتاج سوريا إلى إعادة تأهيل أكثر من 60% من مستشفياتها المتضررة.
التعليم: 1 من كل 3 مدارس تعرض للدمار أو الضرر الجزئي، ما يستدعي خططًا طموحة لإعادة بناء القطاع التعليمي.
المرأة والشباب: يمثل الشباب (دون 30 عامًا) أكثر من 60% من السكان، مما يشكل فرصة ديموغرافية هائلة إذا تم تمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا.
---
خلاصة:
يمر مستقبل سوريا بمراحل دقيقة تتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى، تقوم على:
تسوية سياسية عادلة ومستدامة.
خطط اقتصادية مرنة وشاملة تواكب المتغيرات.
برامج اجتماعية تركز على دعم الإنسان السوري باعتباره أساس عملية البناء.
ورغم عمق الجراح، تظل سوريا قادرة على تجاوز محنتها إذا ما اجتمعت الإرادة الوطنية والدعم الدولي في بوتقة واحدة نحو مستقبل أفضل.